الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير ابن عبد السلام ***
{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12)} {غُدُوُّهَا} إلى نصف النهار شهر {وَرَوَاحُهَا} إلى آخره شهر في كل يوم شهران. قال الحسن: كانت تغدوا من دمشق فيقيل بإصطخر وبينهما مسيرة شهر للمسرع وتروح فيبيت بكابل وبينهما شهر للمسرع {عَيْنَ الْقِطْرِ} سال له القِطر من صنعاء اليمن ثلاثة أيام. كما يسيل الماء، أو هي عين الشام والقطر النحاس «ع»، أو الصفر {بِإِذْنِ رَبِّهِ} بأمر ربه. {يَزِغْ} يمل {عَنْ أَمْرِنَا} طاعة الله تعالى، أو ما يأمر به سليمان عليه الصلاة والسلام لأن أمره كأمر الله {نُذِقْهُ} في الآخرة، أو الدنيا ولم يُسخِّر منهم إلا الكفار فإذا آمنوا تركهم وكان مع المسخرين ملك بيده سوط من عذاب السعير فإذا خالف سليمان ضربه بذلك السوط {السَّعِيرِ} النار المسعورة. {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)} {مَّحَارِيبَ} القصور، أو المساجد، أو المساكن ومحراب الدار أشرف موضع فيها. {وَتَمَاثِيلَ} الصور ولم تكن محرمة وكانت من نحاس، أو من رخام وشِبْه، صور الأنبياء الذين كانوا قبله، أو طواويس وعقباناً ونسوراً على كرسيه ودرجات سريره ليهاب من شاهدها أن يتقدم. {كَالْجَوَابِ} كالحياض، أو الجوبة من الأرض، أو كالحائط. {رَّاسِيَاتٍ} عظام، أو أثافيها منها «ع»، أو ثابتات لا يزلن عن مكانهن وذكر أنها باقية باليمن آية وعبرة {شُكْراً} توحيداً، أو تقوى وطاعة، أو صوم النهار وقيام الليل. فليس ساعة من نهار إلا وفيها من آل داود صائم ولا ساعة من الليل إلا وفيها منهم قائم، أو اعملوا عملاً تستوجبون عليه الشكر أو اذكروا أهل البلاء وسلوا ربكم العافية، أو قال لما أمر بالشكر: إلهي كيف أشكرك والشكر نعمة منك عليّ فقال: الآن شكرتني حين علمت أن النعم مني {الشَّكُورُ} المؤمن الموحد «ع»، أو المطيع، أو ذاكر النعمة. والشاكر من لم يتكرر شكره والشكور من تكرر شكره، أو الشاكر على النعم والشكور على البلوى، أو الشاكر من غلب خوفه والشكور من غلب رجاؤه. {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14)} {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ} وقف في المحراب يصلي متوكئاً على عصاهُ فمات وبقي قائماً على العصا سنة وكان سأل ربه أن لا يعلم الجن موته إلا بعد سنة لأنه كان قد بقي من إتمام عمارة بيت المقدس سنة، أو لأن الجن ذكرت للإنس أنها تعلم الغيب فطلب ذلك ليلعلم للإنس أن الجن لا يعلمون الغيب مأثور، أو لم يمت إلا على فراشه وكان الباب مغلقاً عليه كعادته في عبادته فأكلت الأرَضَة العتبة بعد سنة فخر الباب ساقطاً وكان سليمان يعتمد على العبتة إذا جلس «ع» {دَآبَّةُ الأَرْضِ} الأرضة «ع» أو دابة تأكل العيدان يقال لها القادح {مِنسَأَتَهُ} العصا بلغة الحبشة، أو مأخوذ من نسأت الغنم إذا سقتها {تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ} المسخرين أنهم لو علموا الغيب {مَا لَبِثُواْ فِى الْعَذَابِ} أو تبينت الإنس أن الجن لو علموا الغيب {مَا لَبِثُواْ فِى الْعَذَابِ} سنة، أو أوهمهم الجن أنهم يعلمون الغيب فدخل عليهم شُبْهة فلما خَرَّ عرفوا كذبهم وزالت الشُّبهة. {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15)} {لِسَبَإٍ} أرض باليمن يقال لها مأرب، أو قبيلة سموا بأسم أبيهم، أو أمهم وبعث إليهم ثلاثة عشر نبياً {جَنَّتَانِ} أحدهما عن يمين الوادي والأخرى عن شماله {ءَايَةٌ} كانت المرأة تمشي ومكتلها على رأسها فيمتلىء وما مسته بيدها، أو لم يكن في قريتهم ذباب ولا بعوض ولا برغوث ولا بق ولا حية ولا عقرب ويأتيهم الركب في ثيابهم القمل والدواب فتموت تلك الدواب {كُلُواْ مِن رِّزْقِ} الجنتين {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ} قيل هي صناء. {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16)} {فَأَعْرَضُواْ} عن اتباع الرسل {الْعَرِمِ} المطر الشديد «ع» أو المسناة بالحبشية، أو العربية، أو اسم واد تجتمع فيه المياه من أودية سبأ فسدوه بين جبلين بالحجارة والقار وجعلوا له أبواباً يأخذون منه ما شاءوا فلما تركوا أمر الله تعالى بعث عليه جرذاً يقال له الخلد فخرقه فأغرق بساتينهم وأفسد أرضهم، أو ماء أحمر أرسل في السد فخرقه وهدمه، أو الجرذ الذي نقب السد. {جَنَّتَيْنِ} ليزدوج الكلام كقوله {فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ} لأنهما لم يتبدلا بجنتين {أُكُلٍ} البرير ثمر الخمط، أو اسم لثمر كل شجرة {خَمْطٍ} الآراك «ع»، أو كل شجر ذي شوك، أو كل نبت مُرٍّ لا يمكن أكله. {وَأَثْلٍ} الطرفاء «ع»، أو شيء يشبه الطرفاء، أو شجر النضار، أو شجرة حطب لا يأكلها شيء، أو السَّمُر. {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ (18)} {الْقُرَى الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا} بيت المقدس «ع»، أو الشام بورك فيها بالمياه والثمار والأشجار. قيل: إنها كانت أربعة آلاف وسبعمائة قرية {قُرىً ظَاهِرَةً} متصلة ينظر بعضهم إلى بعض «ح»، أو عامرة، أو كثيرة الماء، أو قريبة وهي السَّرْوات، أو قرى بصنعاء، أو قرى ما بين مأرب والشام {وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ} أي المبيت والمقيل، أو كانوا يصبحون في قرية ويمسون في آخرى «ح»، أو جعل ما بين القرية والقرية مقداراً واحداً. {ءَامِنِينَ} من الجوع والضمأ أو من الخوف كانوا يسيرون أربعة أشهر آمنين لا يحرك بعضهم بعضاً، ولو لقي الرجل قاتل أبيه لم يحركه. {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)} {بَاعِدْ بَيْنَ أًسْفَارِنَا} قالوا ذلك ملالاً للنعم كما مَلَّ بنوا إسرائيل المن والسلوى «ح»، أو قالوا لو كانت ثمارنا أبعد مما هي كانت أشهى وأحلى، أو طلبوا الزيادة في عمارتهم حتى تبعد أسفارهم فيها. فيكون ذلك طلباً للكثرة والزيادة {وَظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ} بقولهم: {بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا}، أو بالتغيير والتبديل بعد أن كانوا مسلمين «ح» أو بتكذيب ثلاثة عشر نبياً وقالوا لرسلهم لما ابتلوا قد كنا نأبى عليكم وأرضنا عامرة خير أرض فكيف اليوم وأرضنا خراب شر أرض {أَحَادِيثَ} يتحدث بما كانوا فيه من نعم وما صاروا إليه من هلاك حتى ضرب بهم المثل فقيل: تفرقوا أيادي سبأ. {وَمَزَّقْنَاهُمْ} بالهلاك فصاروا تراباً تذروه الريح، أو مزقوا بالتفرق فلحقت غسان بالشام وخزاعة بمكة والأوس والخزرج بالمدينة والأزد بِعُمان. {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20)} {صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} لما أُهبط آدم وحواء قال إبليس: أَما إذْ أصبت من الأبوين ما أصبت فالذرية أضعف وأضعف ظناً منه فصدق ظنه «ح»، أو قال: خلقت من نار وآدم من طين والنار تحرق كل شيء {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} [الإسراء: 62] فصدق ظنه «ع»، أو قال يا رب أرأيت هؤلاء الذين كرمتهم عليَّ إنك لا تجد أكثرهم شاكرين ظناً منه فصدق ظنه، أو ظن أنه أن أغواهم وأضلهم أجابوه وأطاعوه فصدق ظنه {فَاتَّبَعُوهُ} الضمير للظن، أو لإبليس «ح». {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23)} {لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} في الشفاعة، أو فيمن يشفع له {فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ} جُلي عنها الفزع، أو كُشف عنها الغطاء يوم القيامة، أو دعوا فأجابوا من قبورهم من الفزع الذي هو الدعاء والاستصراخ فسمي الداعي فزعاً والمجيب فزعاً، أو فزع من قلوب الشياطين ففارقوا ما كانوا عليه من إضلال أوليائهم، أو الملائكة فزعوا لسماع الوحي من الله لانقطاعه ما بين عيسى ومحمد فخروا سجداً خوف القيامة فـ {قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ الْحَقَّ} أي الوحي وفُرِّغ بالمعجمة من شك وشرك يوم القيامة فقالت لهم الملائكة: ماذا قال ربكم في الدنيا قالوا: الحق. {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)} {يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَات} المطر ومن الأرض النبات، أو رزق السموات ما قضاه من أرزاق عباده ورزق الأرض ما مكنهم فيه من مباح. {وَإِنَّآ} نحن على هدى، وإياكم في ضلال، فتكون أو بمعنى الواو، أو معناه أحدنا على هدى والآخر على ضلال كقول القائل بل أحدنا كاذب دفعاً للكذب عن نفسه وإن أحدنا لصادق إضافة للصدق إلى نفسه ودفعاً له عن صاحبه، أو معناه الله يرزقنا وإياكم كنا على هدى، أو في ضلال مبين. {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26)} {يَفْتَحُ} يقضي لأنه بالقضاء يفتح وجه الحكم {بِالْحَقِّ} بالعدل {الْعَلِيمُ} بالحكم، أو بما يخفون، أو بخلقه. {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)} {كَآفَّةً لِّلْنَّاسِ} كافاً لهم عن الشرك والهاء للمبالغة أو أرسلناك إلى الجميع تضمهم ومنه كف الثوب لضم طرفيه، أو ما أرسلناك إلا كافتهم أي جميعهم «ع». {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآَنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31)} {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} مشركو العرب، أو أبو جهل {بِالَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ} التوراة والإنجيل، أو الأنبياء والكتب، أو أمر الآخرة. {وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33)} {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ} بل عملكم في الليل والنهار، أو معصية الليل والنهار، أو غركم اختلافهما، أو مَرُّهما، أو مكركم فيهما. {أَندَاداً} أشباهاً، أو شركاء. {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34)} {مُتْرَفُوهَآ} جبّاروها، أو أغنياؤها، أو ذوو التنعم والبطر. {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35)} {وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً} قالوه للأنبياء والفقراء. {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36)} {يَبْسُطُ الرِّزْقَ} يوسعه {وَيَقْدِرُ} يقتر عليه يبسط على هذا مكراً به ويقتر على الآخر نظراً له أو لخير له أو ينظر له {لا يَعْلَمُونَ} أن البسط والإقتار بيده. {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آَمِنُونَ (37)} {زُلْفَى} قربى، والزلفة القربة {جَزَآءُ الضِّعْفِ} الحسنة بعشر والدرهم بسبعمائة، أو الغني التقي يؤتى أجره مرتين بهذه الآية {ءَامِنُونَ} من النار، أو من انقطاع النعم، أو الموت، أو الأحزان والأسقام. {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)} {فَهُوَ يُخْلِفُهُ} إذا شاء ورآه صلاحاً كإجابة الدعاء، أو يخلفه بالأجر في الآخرة إذا أنفق في الطاعة، أو معناه فهو أخلفه لأن نفقته من خلف الله تعالى ورزقه. {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40)} {يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً} المشركون ومن عبدوه من الملائكة {أَهَؤُلآءِ} استفهام تقرير. {قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41)} {أَنتَ وَلِيُّنَا} الذي نواليه بالطاعة، أو ناصرنا {يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} يطيعونهم في عبادتنا. {وَمَا آَتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44)} {وَمَآ ءَاتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ} ما نُزِّل على مشركي قريش كتاباً قط {يَدْرُسُونَهَا} فيعلمون أن الذي جئت به حق، أو باطل، أو فيعلمون أن لله شركاء كما زعموا {مِن نَّذِيرٍ} ما جاءهم رسول قط غيرك. {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آَتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (45)} {وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ} ما عملوا معشار ما أمروا به «ع»، أو ما أُعطي من كذب محمداً صلى الله عليه وسلم معشار ما أُعطي من قبلهم من القوة والمال، أو ما بلغ الذين من قبلهم معشار شكر ما آتيناهم، أو ما أعطي من قبلهم معشار ما أعطي هؤلاء من البيان والعلم والبرهان «ع» فلا أمة أعلم من أمته ولا كتاب أبين من كتابه. والمعشار والعشر واحد، أو المعشار عشر العشر وهو العشير، أو عشر العشير والعشير عشر العشر فيكون جزءاً من ألف. {نكيري}: عقابي تقديره فأهلكتهم فكيف كان نكيري. {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46)} {بِوَاحِدَةٍ} طاعة الله تعالى، أو قول لا إله إلا الله {أَن تَقُومُواْ} بالحق كقوله {وَأَن تَقُومُواْ لليتامى بالقسط} [النساء: 127] {مَثْنَى وَفُرَادَى} جماعة وفرادى أو منفرداً برأيه ومشاوراً لغيره مأثور، أو مناظراً لغيره ومفكراً في نفسه. {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47)} {مِّنْ أَجْرٍ} من مودة لأنه سأل قريشاً أن يكفوا عن أذاه حتى يبلغ الرسالة «ع»، أو جُعْل {شَهِيدٌ} أن ليس بي جنون، أو أني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48)} {يَقْذِفُ} يتكلم، أو يوحي، أو يلقي {بِالْحَقِّ} الوحي أو القرآن و{الْغُيُوبِ} الخفيّات. {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49)} {جَآءَ الْحَقُّ} بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، أو القرآن، أو الجهاد بالسيف {الْبَاطِلُ} الشيطان، أو إبليس، أو دين الشرك {وَمَا يُبْدِئُ} لا يخلق ولا يبعث، أو لا يحيي ولا يميت، أو لا يثبت إذا بدا ولا يعود إذ زال. {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51)} {فَزِعُواْ} في القيامة أو في الدنيا عند رؤية بأس الله، أو يُخسف بجيش في البيداء فيبقى منهم حل فيُخبر بما لقي أصحابه فيفزع الناس، أو فزعهم ببدر لما ضُربت أعناقهم فلم يستطيعوا فراراً من العذاب ولا رجوعاً إلى التوبة، أو فزعهم في القبور من الصيحة «ح» {فَلا فَوْتَ} فلا نجاة «ع»، أو لا مهرب، أو لا سبق. {مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} من تحت أقدامهم، أو يوم بدر، أو جيش السفياني «ع»، أو عذاب الدنيا، أو حين خرجوا من القبور «ح» أو يوم القيامة. {وَقَالُوا آَمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52)} {ءَامَنَّا بِهِ} بالله تعالى أو البعث، أو الرسول صلى الله عليه وسلم {التَّنَاوُشُ} الرجعة «ع». تمنى أن تؤوب إليَّ ميّ *** وليس إلى تناوشها سبيل أو التوبة، أو التناول نشته أنوشه نوشاً إذا تناوله من قريب، تناوش القوم تناول بعضهم بعضاً والتحم بينهم القتال {مَّكَانٍ بَعِيدٍ} من الآخرة إلى الدنيا أو ما بين الآخرة والدنيا، أو عُبِّر به عن طلبهم للأمر من حيث لا ينال «ح». {وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (53)} {كَفَرُواْ بِهِ} بالله تعالى، أو البعث أو الرسول صلى الله عليه وسلم {مِن قَبْلُ} في الدنيا، أو قبل العذاب. {وَيَقْذِفُونَ} يرجمون بالظن في الدنيا فيقولون لا بعث ولا جنة ولا نار «ح»، أو يطعنون في القرآن، أو في الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر، أو شاعر. سماه قذفاً لخروجه في غير حقه. {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54)} {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ} وبين الدنيا، أو بينهم وبين الإيمان «ح»، أو التوبة أو طاعة الله تعالى أو بين المؤمن وبين العمل وبين الكافر وبين الإيمان. قاله ابن زيد {بِأَشْيَاعِهِم} أوائلهم من الأمم الخالية أو أصحاب الفيل لما أرادوا هدم الكعبة، أو أمثالهم من الكفار لم يقبل لهم توبة عند المعاينة {فِى شَكٍّ} من نبيهم فلا يعرفونه أو من نزول العذاب بهم. {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)} الفطر: الشق عن الشيء بإظهاره للحسِّ. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ما كنت أدري ما فاطر حتى اختصم أعرابيان في بئر فقال: أحدهما أنا فطرتها أي ابتدأتها ففاطر السموات والأرض خالقهما، أو شقها بما ينزل فيها وما يعرج منها. {رُسُلاً} إلى الأنبياء، أو إلى العباد برحمة، أو نقمة {مَّثْنَى} لبعض جناحان ولبعض ثلاثة ولآخرين أربعة {يَزِيدُ فِى} أجنحة الملائكة ما يشاء، أو حسن الصوت، أو الشعر الجعهد. {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)} {مِن رَّحْمَةٍ} من خير، أو مطر، أو توبة «ع»، أو وحي «ح»، أو دعاء، أو رزق مأثور. {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)} {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ} اليهود والنصارى والمجوس، أو الخوارج، أو الشيطان أو قريش. نزلت في أبي جهل، أو العاص بن وائل. وفيه محذوف تقديره فهو يتحسر عليه يوم القيامة، أو كمن آمن وعمل صالحاً، أو كمن علم الحسن من القبيح. {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)} {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ} وهي المنعة فليتعزَّز بطاعة الله تعالى، أو من يرد علم العزة لمن هي {فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ} لما اتخذوا آلهة ليكونوا لهم عِزًا أخبرهم الله تعالى أن العزة له جميعاً {الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} التوحيد، أو الثناء على الله تعالى يصعد به الملائكة المقربون {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ} يرفعه الكلم الطيب، أو العمل الصالح يرفع الكلم الطيب، أو يرفع الله تعالى العمل الصالح لصاحبه {السَّيِّئَاتِ} الشرك {يَبُورُ} يفسد عند الله تعالى، أو يهلك البوار: الهلاك، أو يبطل. {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11)} {مِّن تُرَابٍ} آدم {مِن نُّطْفَةٍ} نسله {أَزْوَاجاً} زَوَّج بعضكم ببعض أو ذكوراً وإناثاً وكل واحد معه آخر من شكله فهو زوج {وَمَا يُعَمَّرُ} ما يمد عمر أحد حتى يهرم ولا ينقص من عمر آخر فيموت طفلاً، أو ما يعمر معمر قدر الله تعالى أجله إلاَّ كان ما نقص منه من الأيام الماضية في كتاب الله تعالى. قال ابن جبير: كتب الله تعالى الأجل في أول الصحيفة ثم يكتب في أسفلها ذهب يوم كذا ذهب يوم كذا حتى يأتي على أجله، وعمر المعمر ستون سنة، أو أربعون، أو ثماني عشرة {إِنَّ ذَلِكَ} إن حفظه بغير كتاب هين على الله تعالى. {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)} {فُرَاتٌ} أي عذب كقولهم حسن جميل {أُجَاجٌ} مُرّ من أجة النار كأنه يحرق لمرارته {لَحْماً طَرِيّاً} الحيتان منهما {وَتَسْتَخْرِجُونَ} الحلية من الملح دون العذب، أو في البحر الملح عيون عذبة يخرج اللؤلؤ فيما بينهما عند التمازج، أو من مطر السماء و{لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} بالتجارة في الفلك. {وَلا تَزِرُ} لا تحمل نفس ذنوب أخرى ومنه الوزير لتحمله أثقال الملك بتدبيره {وَإِن تَدْعُ} نفس مثقلة بالذنوب إلى تحمل ذنوبها لم تجد من يحمل عنها شيئاً وإن كان المدعو للتحمل قريباً مناسباً ولو تحمل ما قبل تحمله لقوله تعالى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ} {بِالْغَيْبِ} في السر حيث لا يراه أحد أو في التصديق بالآخرة. {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21)} {وَمَا يَسْتَوِى الأَعْمَى} [فيه قولان أحدهما: أن هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر كما لا يستوي الأعمى والبصير ولا تستوي الظلمات ولا النور ولا يستوي الظل ولا الحرور لا يستوي المؤمن والكافر. قاله قتادة. الثاني: أن معنى قوله وما يستوي الأعمى والبصير أي عمى القلب بالكفر وبصره بالإيمان ولا تستوي ظلمات الكفر ونور الإيمان ولا يستوي] ظل الجنة وحرور النار، والحرور: الريح الحارة كالسموم قال الفراء: الحرور بالليل والنهار والسموم [لا يكون إلا بالنهار] وقال: لا يكون الحرور إلا مع شمس النهار والسموم يكون بالليل والنهار وقيل: الحرور الحر والظل البرد. {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22)} {وَمَا يَسْتَوِى الأَحْيَآءَ} كما لا يستوي الحي والميت فكذلك لا يستوي المؤمن والكافر أو الأحياء المؤمنون أحياهم إيمانهم والأموات الكفار أماتهم كفرهم أو العقلاء والجهال «ولا» صلة مؤكدة أو نافية. {يُسْمِعُ} يهدي {مَّن فِى الْقُبُورِ} كما لا تسمع الموتى كذلك لا تسمع الكافر أو لا تسمع الكافر الذي أماته الكفر حتى أقبره في كفره. {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24)} {وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلا} سلف فيها نبي قيل: إلا العرب. {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27)} {جُدَدٌ} جمع جُدة وهي الخطط و{وَغَرَابِيبُ} الغريب الشديد السواد. كلون الغراب قيل تقديره سودٌ غرابيب. {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)} {كَذَلِكَ} أي مختلف ألوانه أبيض وأحمر وأسود، أو كما اختلف ألوان ما ذكرت فكذلك تختلف أحوال العباد من الخشية ثم استأنف فقال: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَآؤُاْ} به. {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29)} {تِجَارَةً} الجنة {تَبُورَ} تكسد، أو تفسد. {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)} {أُجُورَهُمْ} ثواب أعمالهم {وَيَزِيدَهُم} يفسح لهم في قبورهم، أو يشفعهم فيمن أحسن إليهم في الدنيا، أو تضاعف حسناتهم مأثور، أو يغفر لهم الكثير ويشكر اليسير {غَفُورٌ} للذنب {شَكُورٌ} للإحسان لأنه يقابله مقابلة الشاكر. {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)} {أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ} القرآن. ومعنى الإرث انتقال الحكم إليهم، أو إرث الكتاب هو الإيمان بالكتب السالفة لأن حقيقة الإرث الانتقال من قوم إلى آخرين {الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا} الأنبياء. فيكون قوله {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ} كلاماً مستأنفاً لا يرجع إلى المصطفين أو الذين اصطفينا أمة محمد صلى الله عليه وسلم. والظالم لنفسه أهل الصغائر. قال عمر رضي الله تعالى عنه: وظالمنا مغفور له، أو أهل الكبائر وأصحاب المشأمة، أو المنافقون، أو أهل الكتاب، أو الجاحد {مُّقْتَصِدٌ} متوسط في الطاعات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما السابق فيدخل الجنة بغير حساب وأما المقتصد فيحاسب حساباً يسيراً وأما الظالم فيحبس طول الحبس ثم يتجاوزر الله تعالى عنه»، أو أصحاب اليمين، أو أهل الصغائر، أو متبعو سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بعده «ح» {سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} المقربون، أو أهل المنزلة العليا في الطاعة، أو من كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فشهد له بالجنة وسأل عقبة بن صهبان عائشة رضي الله تعالى عنها عن هذه الآية فقالت: كلهم في الجنة السابق من مضى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهد له بالجنة والمقتصد من اتبع أثره حتى لحق به والظالم لنفسه مثلي ومثلك ومن اتبعنا. {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34)} {الْحَزَنَ} خوف النار «ع»، أو حزن الموت، أو تعب الدنيا وهمومها أو حزن الخبز، أو حزن الظالم يوم القيامة لما يشاهد من سوء حاله، أو الجوع، أو خوف السلطان، أو طلب المعاش، أو حزن الطعام مأثور. {الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)} {الْمُقَامَةِ} الإقامة {نَصَبٌ} تعب، أو وجع {لُغُوبٌ} عناء، أو إعياء. {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)} {يَصْطَرِخُونَ} يستغيثون {مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ} البلوغ، أو ثماني عشرة سنة، أو أربعون «ع»، أو ستون، أو سبعون {وَجَآءَكُمُ النَّذِيرُ} محمد صلى الله عليه وسلم، أو الشيب، أو الحمى، أو موت الأهل والأقارب. {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39)} {خَلآئِفَ} يخلف بعضكم بعضاً خلفاً بعد خلف وقرناً بعد قرن والخلف هو التالي للمتقدم ولما قيل لأبي بكر رضي الله تعالى عنه خليفة الله قال: لست خليفة الله ولكني خليفة رسوله وأنا راضي بذلك، قال بعض السلف: إنما يُستخلف من يغيب، أو يموت والله تعالى لا يغيب ولا يموت {فَعَلَيْهِ} عقاب كفره. {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (40)} {شُرَكَآءَكُمُ} في الأموال الذين جعلتم لهم قسطاً منها وهي الأوثان أو الذين أشركتموهم في العبادة. {مِنَ الأَرْضِ} أي في الأرض {شِرْكٌ} في خلق السموات {كتاباً} بما هم عليه من الشرك فهم على احتجاج منه، أو بأن لله شركاء من الأصنام والملائكة فهم متمسكون به، أو بألا يعذبهم على كفرهم فهم واثقون به {إِلا غُرُوراً} وعدوهم أن الملائكة تشفع لهم، أو أنهم [ينصرون عليهم] أو بالمعصية. {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43)} {وَمَكْرَ السَّيِِّىءِ} الشرك، أو مكرهم بالرسول صلى الله عليه وسلم {يَحِيقُ} يحيط، أو ينزل، فعاد ذلك عليهم فقُتلوا ببدر {سُنَّتَ الأَوَّلِينَ} وجوب العذاب عند الإصرار على الكفر، أو لا تقبل توبتهم عند نزول العذاب. {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)} {بِمَا كَسَبُواْ} من الذنوب {مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ} قيل: بحبس المطر عنهم. عام في كل ما دَبَّ ودرج وقد فعل ذلك زمن الطوفان، أو من الجن والإنس دون غيرهم لأنهما أهل تكليف أو من الناس وحدهم {أَجَلٍ مُّسَمّىً} وعدوا به في اللوح المحفوظ، أو القيامة {جَآءَ أَجَلُهُمْ} نزول العذاب، أو القيامة. {يس (1)} {يس} اسم للقرآن، أو لله تعالى أقسم به «ع»، أو فواتح من كلام الله تعالى افتتح بها كلامه، أو يا محمد وهو مأثور، أو يا إنسان بالحبشية أو السريانية، أو بلغة كلب، أو طيء. {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)} {مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمْ} كما أنذر آباؤهم فيكون عاماً، أو خاص بقريش أنذروا ولم ينذر آباؤهم قبلهم. {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)} {حَقَّ الْقَوْلُ} وجب العذاب، أو سبق في علمي {أَكْثَرِهِمْ} الذين عاندوا الرسول صلى الله عليه وسلم من قريش لم يؤمنوا، أو ماتوا على كفرهم، أو قتلوا عليه تحقيقاً لقوله {فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}. {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8)} {أَغْلالاً} شبّه امتناعهم من الهدى بامتناع المغلول من التصرف، أو همَّت ظائفة منهم بالرسول صلى الله عليه وسلم فغُلّت أيديهم فلم يستطيعوا أن يبسطوا إليه يداً {فِى أَعْنَاقِهِمْ} عبّر عن الأيدي بالأعناق لأن الغل يكون في الأيدي، أو أراد حقيقة الأعناق لأن الأيدي تجمع بالأغلال إلى الأعناق «ع» {إِلَى الأَذْقَانِ} مجتمع اللحيين والأيدي تماسها، أو عَبَّر بها عن الوجوه لأنها منها {مُّقْمَحُونَ} المقمح الرافع رأسه الواضع يده على فيه، أو الطامح ببصره إلى موضع قدميه «ح» أو غض الطرف ورفع [الرأس مأخوذ] من [البعير] المقمح وهو الذي يرفع رأسه ويطبق أجفانه في الشتاء إذا ورد ماء، أو أن يجذب ذقنه إلى صدره ثم يرفعه من القمح وهو رفع الشيء [إلى الفم]. {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9)} {سَدّاً} عن الحق، أو ضلالاً، أو ظلمة منعتهم من الرسول صلى الله عليه وسلم لما هموا به. قيل: السُّد بالضم ما صنعه الله وبالفتح ما صنعه الناس. {فَأَغْشَيْنَاهُمْ} بظلمة الكفر {فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} الهدى، أو بظلمة الليل فهم لا يبصرون الرسول صلى الله عليه وسلم لما هموا بقتله. {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11)} {بِالْغَيْبِ} بما يغيب عن الناس من شر عمله، أو بما غاب من عذاب الله تعالى. {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)} {نُحْىِ الْمَوْتَى} بالإيمان بعد الكفر، أو بالبعث للجزاء {مَا قَدَّمُواْ} من خير، أو شر {وَءَاثَارَهُمْ} ما ابتدءوا من سنة حسنة أو سيئة يعمل بها بعدهم، أو خطاهم إلى المساجد نزلت لما أراد بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد فقال الرسول صلى الله عليه وسلم «إن آثاركم تكتب» فلم يتحولوا {إِمَامٍ} اللوح المحفوظ، أو أم الكتاب، أو طريق مستقيم. {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13)} {الْقَرْيَةِ} إنطاكية اتفاقاً. {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14)} {اثْنَيْنِ} شمعون ويوحنا. أو صادق وصدوق «ع»، أو سمعان ويحيى {فَعَزَّزْنَا} فزدنا أو قوينا، أو شددنا «كانوا رسلاً من الله تعالى، أو من الحواريين أرسلهم عيسى». {وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17)} {الْبَلاغُ الْمُبِينُ} بالإعجاز قيل: إنهم أَحْيوا ميتاً وأبرءوا زَمِناً. {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18)} {تَطَيَّرْنَا} تشاءمنا، أو معناه إن أصابنا شر فهو من أجلكم تحذيراً من الرجوع من دينهم {لَنَرْجُمَنَّكُمْ} بالحجارة، أو الشتم والأذى أو لنقتلنكم {عَذَابٌ أَلِيمٌ} القتل، أو التعذيب المؤلم قبل القتل. {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19)} {طَآئِرُكُم مَّعَكُمْ} الشؤم إن أقمتم على الكفر إذا ذكِّرتم أو أعمالكم معكم إن ذكِّرتم بالله تطيرتم، أو كل من ذكَّركم بالله تطيرتم. {مُّسْرِفُونَ} في تطيركم، أو كفركم. {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)} {وَجَآءَ} رجل هو حبيب النجار «ع»، أو كان إسكافاً أو قصاراً علم نبوتهم لأنه كان مجذوماً زَمِناً فأبرءوه «ع»، أو لما دعوه قال أتأخذون على ذلك أجراً قالوا لا فآمن بهم وصدقهم. {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22)} {وَمَا لِىَ لآ أَعْبُدُ الَّذِى فَطَرَنِى} لما قالها وثبوا عليه وثبة رجل واحد فقتلوه وهو يقول يا رب أهدٍ قومي فإني لا يعلمون. {إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)} {إِنِّى ءَامَنتُ بِرَبِّكُمْ} يا قوم، أو خاطب به الرسل {فَاسْمَعُونِ} فاشهدوا لي. {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26)} {يَالَيْتَ قَوْمِى يَعْلَمُونَ} تمنى أن يعلموا حُسن عاقبته، أو تمنى ذلك ليؤمنوا كإيمانه فيصيروا إلى ما صار إليه فنصحهم حياً وميتاً «ع». {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28)} {مِن جُندٍ} أي رسالة لأن الله تعالى قطع عنهم الرسل لما قتلوا رسله، أو الملائكة الذين ينزلون الوحي على الأنبياء. {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)} {صَيْحَةَ} عذاباً، أو صاح بهم جبريل عليه السلام صحية ليس لها مثنوية. {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30)} {يَاحَسْرَةً} يا حسرة العباد على أنفسهم، أو يا حسرتهم على الرسل الثلاثة أو حلوا محل من يُتحسر عليه «ع» والحسرة بعد معاناة العذاب، أو في القيامة «ع». {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)} {مُحْضَرُونَ} معذبون، أو مبعوثون. {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)} {وما عَمِلَتْ} ومما عملت، أو وما لم تعمله أيديهم من الأنهار التي أجراها الله تعالى لهم كالفرات ودجلة والنيل ونهر بلخ، أو وما لم تعمله أيديهم من الزرع الذي أنبته الله تعالى لهم. {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)} {الأَزْوَاجَ} «ع» الأصناف، أو الذكر والأنثى {مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ} النخل والشجر والزرع من كل صنف زوج {وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ} الأرواح. {وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37)} {نَسْلَخُ} نخرج من سلخ الشاة إذا أخرجت من جلدها {مُّظْلِمُونَ} داخلون في الظلمة. {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)} {لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا} انتهاء أمرها عند انتهاء الدنيا، أو لوقت واحد لا تعدوه، أو أبعد منازلها في الغروب وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما لا مستقر لها أي لا قرار ولا وقوف. {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39)} {قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} يطلع كل ليلة في منزلة {كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} قنو النخل اليابس وهو العذق أو النخل إذا انحنى حاملاً «ع». {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)} {أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ} «لكلّ حد وعلَم» لا يعدوه ولا يقصر دونه ويُذهب سلطان كل واحد منهما مجيء الآخر، أو لا يدرك أحدهما ضوء الآخر، أو لا يجتمعان في السماء ليلة الهلال خاصة، أو إذا اجتمعا في السماء كان أحدهما بين يدي الآخر «ع»، أو لا تدركه ليلة البدر خاصة لأنه يبادر بالغروب قبل طلوعها {سَابِقُ النَّهَارِ} لا يتقدم الليل قبل كمال النهار، أو لا يأتي ليلتين متصلتين من غير نهار فاصل {وَكُلٌّ} الشمس والقمر والنجوم {فِى فَلَكٍ} بين الأرض والسماء غير ملتصقة بالسماء {يَسْبَحُونَ} يعلمون، أو يجرون «ع»، أو يدورون كما يدور المغزل في الفلكة. {وَآَيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41)} {ذُرِّيَّتَهُمْ} آباءهم لأن منهم ذرى الأبناء والفلك سفينة نوح أو الأبناء والنساء لأنهم ذرءوا الآباء حملوا في الفلك: وهي السفن الكبار أو النطف حملها الله تعالى في بطون النساء تشبيهاً بالفلك قاله علي رضي الله تعالى عنه {الْمَشْحُونِ} الموقر، أو المملوء. {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42)} {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ} خلقنا مثل سفينة نوح من السفن ما يركبونه «ع»، أو السفن الصغار خلقها كالكبار، أو سفن الأنهار كسفن البحار، أو الإبل تركب في البر كما تركب السفن في البحر «ح» والعرب يشبهون الإبل بالسفن. {وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43)} {فَلا صَرِيخَ} فلا مغيث، أو لا منعة {يُنقَذُونَ} من الغرق، أو العذاب. {إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44)} {إِلا رَحْمَةً} نعمة، أو إلا برحمتنا {إِلَى حِينٍ} الموت، أو القيامة. {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45)} {مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} ما مضى من ذنوبكم وما خلفكم ما يأتي من الذنوب، أو ما بين أيديكم من الدنيا وما خلفكم عذاب الآخرة، أو مابين أيديكم عذاب [الله لمن تقدم] كعاد وثمود وما خلفكم أمر الساعة وجواب هذا الكلام أعرضوا. {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46)} {مِّنْ ءَايَةٍ} من كتاب الله، أو من رسوله، أو من معجزة. {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (47)} {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} اليهود أمروا بإطعام الفقراء فقالوا ذلك «ح» أو الزنادقة أو مشركو قريش جعلوا لأصنامهم سهماً من أموالهم فلما سألهم الفقراء أجابوهم بذلك. {إِنْ أَنتُمْ إِلا فِى ضَلالٍ مُّبِينٍ} قول الكفار لمن أمرهم بالإطعام، أو قول الله للكفار لما ردوا هذا الجواب. {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48)} {هَذَا الْوَعْدُ} من العذاب، أو ما وعدوا به من الظفر بهم. {مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49)} {صَيْحَةً} النفخة الأولى ينتظرها آخر هذه الأمة من المشركين {يَخِصِّمُونَ} يتكلمون، أو يخصِّمون في دفع النشأة الثانية. {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)} {تَوْصِيَةً} أن يوصي بعضهم إلى بعض بما في يديه من حق. {إِلَى أَهْلِهِمْ} منازلهم. {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51)} {وَنُفِخَ فِى الصُّورِ} نفخة البعث يبعث بها كل ميت والأولى يموت بها كل حي وبينهما أربعون سنة والنفخة الثانية من الآخرة والأولى من الدنيا، أو الآخرة «ح» {الأَجْدَاثِ} القبور {يَنسِلُونَ} يخرجون، أو يسرعون. {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)} {قَالُواْ يَاويْلَنَا} يقوله المؤمنون ثم يجيبون أنفسهم فيقولون: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ} أو يقوله الكفار فيقول لهم المؤمنون، أو الملائكة {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ}. {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55)} {شُغُلٍ} عما يلقاه أهل النار، أو افتضاض الأبكار، أو الطرب أو النعمة {فَاكِهُونَ} وفكهون واحد كحاذر وحذر، أو الفكه الذي يتفكه بالطعام [أو بأعراض] الناس والفاكه ذو الفاكهة وها هنا فرحون «ع»، أو ناعمون، أو معجبون، أو ذو فاكهة كشاحم [ولاحم ولابن] وتامر. {لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57)} {مَّا يَدَّعُونَ} يشتهون، أو يسألون، أو يتمنون، أو يدعونه فيأتيهم مأخوذ من الدعاء. {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)} {سَلامٌ} تسليم الرب عليهم إكراماً لهم، أو تبشيره لهم بالسلامة. {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)} {جِبِلاً} جموعاً، أو أمماً، أو خلقاً. {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)} {نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ} ليعرفهم أهل الموقف فيتميزون منهم، أو لأن إقرار غير الناطق وشهادته أبلغ من إقرار الناطق، أو ليعلم أن أعضاءه التي أعانته في حق نفسه من المعصية صارت شهوداً عليه في حق الله، أو إذا قالوا {والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23] ختم على أفواههم حتى نطقت جوارحهم {وَتُكَلِّمُنَآ} نطقاً، أو يظهر منها ما يقوم مقام الكلام، أو إن الموكلين بها يشهدون عليها. وسمي كلام الأرجل شهادة لأن العمل باليد والرجل حاضرة وقول الحاضر على غيره شهادة وقول الفاعل على نفسه إقرار فعبّر عما صدر عن الأيدي بالكلام وعما صدر عن الأرجل بالشهادة قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «أول عظم [من الإنسان] يتكلم فخذه من الرجل اليسرى». {وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66)} {لَطَمَسْنَا} أعمينا أبصار المشركين في الدنيا فضلوا عن الطريق فلا يبصرونه أو أعمينا قلوبهم فضلوا عن الحق فلا يهتدون إليه «ع» والمطموس الذي لا يكون بين عينيه شق مأخوذ من طمس الأثر. {وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67)} {لَمَسَخْنَاهُمْ} أقعدناهم على أرجلهم فلا يستطيعون تقدماً ولا تأخراً، أو لأهلكناهم في مساكنهم «ع»، أو لغيرنا خلقهم فلا ينتقلون {فَمَا اسْتَطَاعُواْ} لو فعلنا ذلك تقدماً ولا تأخراً أو ما استطاعوا مضياً في الدنيا ولا رجوعاً فيها. {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)} {نُّعَمِّرْهُ} ببلوغ الهرم، أو ثمانين سنة {نُنَكِّسْهُ} نرده إلى الضعف وحالة الصغر لا يعلم شيئاً، أو نغير سمعه وبصره وقواه {أَفَلا يَعْقِلُونَ} أن فاعل هذا قادر على البعث. {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70)} {لتنذر} يا محمد وبالياء القرآن {حَيّاً} عاقلاً، أو مؤمناً، أو مهتدياً، أو حي القلب والبصر {وَيَحِقَّ الْقَوْلُ} يجب العذاب. {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71)} {مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ} من فعلنا من غير أن نكله إلى غيرنا، أو بقوتنا {والسمآء بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ} [الذاريات: 47] {مَالِكُونَ} [ضابطون]، أو مقتنون، أو مطيقون. {وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72)} {رَكُوبُهُمْ} الدابة التي تصلح للركوب.
|